منتديات لبنان والجنوب المقاوم Lebanon Libanon Forum

جان عزيز

في محضر من إحدى مسايا الحوار الطويل بين السيد حسن نصرالله والمغفور له رفيق الحريري سنة 2004، يروى أن الأخير قال للأول ذات فجر: لنفتح كل الأوراق في ما بيننا. الدروز و ...ـتن (نعتذر عن إيراد المفردة كاملة) صاروا مئة ألف نسمة كحد أقصى. المسيحيون بأحزابهم ورؤسائهم وكنائسهم باتوا في جيبي. لم يعد في لبنان إلا أنا وأنت. أنت لديك شرعية المقاومة، وأنا لدي كل الشرعيات الأخرى، فيما كل ما حول هذا البلد من كرتون. اسمع مني وضع يدك بيدي لنحكم معاً كل المنطقة...
بعد نصف عقد تقريباً على هذا الكلام الذي رفضه نصرالله، ذهب وليد جنبلاط إلى صومعة الشيخ أبو محمد جواد ولي الدين. كان خارجاً لتوّه من «قتلة» شيعية، وخذلان حريري. لكن هناك في قدس أقداس البوح والاعتراف، كان الهدف من الكلام جماعة أخرى. قال بيك الجبل لمريديه: الموارنة جنس عاطل.
الآن قرر موارنة 14 آذار درس موضوع قانون الانتخابات النيابية المفترضة ربيع عام 2013. دققوا وتعمّقوا، قبل أن يعتمدوا صيغة تعطي جنبلاط بين 11 و13 مقعداً نيابياً. علّ ذلك يغري البيك مجدداً، فيقبل من موقع المرجح، بإعادة السلطة كاملة إلى الحريري الابن، بعد أكثر من عقد كامل على عرض الحريري الأب على السيد الشراكة المتساوية في السلطة، بلا دروز ولا مسيحيين!!
في الحسابات الرقمية، كيف يمكن تجسيد ذلك عبر الصيغة التي سربها موارنة 14 آذار لما سمّوه مشروع الدوائر المصغرة لقانون الانتخابات؟ من يغرق في تعداد الدوائر الستين ونيف، أو في جمع أعداد النواب الموزعين على أقل من أحجام رؤساء بلديات، أو في قراءة القرى المشلّعة داخل كل قضاء مثل ألعاب «البازل» المجانية الموزعة في أعياد الأطفال... من يفعل ذلك لا يمكن أن يصل إلى أي نتيجة. وهو ما يفرض اعتماد مقاربة أخرى أكثر صحة ومباشرة، انطلاقاً من الأسئلة الآتية:
أولاً، ما هو الحجم المقدر لوليد جنبلاط في ذلك المشروع؟ التقديرات الأولية ترجّح ما بين 11 مقعداً و13مقعداً. أصحاب المشروع يسارعون إلى اعتماد الحد الأدنى. حتى ولو كان الحساب الجنبلاطي أقل، تكون المشكلة أكبر، وذلك لأسباب سيأتي عرضها. لكن ما هو الحجم التمثيلي الفعلي لجنبلاط؟ في الاستحقاقات الانتخابية الماضية لم يتخطّ ثلثي الكتلة الاقتراعية الدرزية. فلنقل أكثر من ذلك. ثلاثة أرباع الدروز. ستة مقاعد نيابية إذن حداً أقصى. هل لبطل حرب الجبل تمثيل مسيحي في الشوف أو عاليه؟ ممكن نظرياً، تماماً كما يمكن رفعت الأسد أن يمثل «إخوان» حماة... بالتالي، من أين يؤتى لوليد جنبلاط بضعفي حجمه وفق صيغة مسيحيي 14 آذار؟ طبعاً من حساب أصحاب الصيغة نفسها، أي من المقاعد المسيحية لا غير.
ثانياً، ما هو الحجم الذي يتوقعه سمير جعجع لكتلته النيابية وفق صيغته نفسها؟ التقديرات تقول بمضاعفة حجمه. أي الانتقال من عدد مبهم حالياً، نظراً إلى وضع نواب زحلة الملتبس، إلى 12 نائباً. وهو حجم طبيعي ومشروع، نظراً إلى القدرة التمثيلية لجعجع في الواقع المسيحي. ثالثاً، ما هو الحجم الذي تضمنه الصيغة الآذارية نفسها لأمين الجميّل؟ جواب أصحاب الطرح: ثمانية مقاعد. وهو جواب منطقي أيضاً. رابعاً، هل من حساب لمستقلين مسيحيين من الخط الآذاري نفسه، خارج حصة جعجع والجميّل؟ نعم، عدد قليل منهم لا يتعدى فعلياً ثلاثة مستقلين.
إذن في مجموع تلك الحصص، يتضح الآتي: 11 لجنبلاط (حداً أدنى)، 12 لجعجع، 8 للجميّل و3 لمستقلين، يكون المجموع 34 مقعداً. لكن إذا كان هذا الفريق الجامع يتطلع إلى الأكثرية النيابية، فهذا يعني أنه يحتاج إلى 31 نائباً آخر على الأقل. من أين يأتي بهم؟ طبعاً من حصة الحريريين الخاصة. لكن كم هي القوة التمثيلية للتيار الأزرق في شارعه السنّي؟ وفق التجارب السابقة، وآخرها فرعية الكورة قبل شهرين (وأكثر ما فيها دلالة الأوراق السنية البيضاء، تعبيراً عن الاضطرار للذهاب إلى الصندوق وعدم الاقتناع بالاقتراع لحليف الحريري) يبدو أن الحجم السني للحريري لا يتخطى ثلثي هذه الجماعة. أي 18 نائباً حداً أقصى. فمن أين يأتي بـ13 نائباً آخر لاستكمال الأكثرية؟ علويان اثنان مصادران لتأجيج قنبلة طرابلس الدائمة، حسناً، والباقون؟ من المسيحيين طبعاً. 11 نائباً مسيحياً من التبعية الحريرية كحد أدنى. حدّ مرشح للازدياد، إذا كانت حصة جنبلاط المسيحية أقل، على طريقة الأواني المستطرقة، بما يضمن «طرق» أكثرية الـ65.
لماذا كل ذلك؟ لأن الأكثرية الشعبية، كما ظهرت عامي 2005 و2009 في مكان آخر. وهو ما تعكسه النسبية، برصاص أو بلا رصاص. المطلوب إذن بهلوانية سحرية على طريقة صانعي ألعاب الخفة. بحيث تُشغل حواس الناس بأعداد الدوائر ولوائح الدساكر ومقاعد العساكر، فيما تكون النتيجة أن الحريري لم يعد بحاجة إلى تكرار عرضه على السيد، وأن جنبلاط كان على حق حول هوية الجنس العاطل.