يحيى دبوق
لن يؤكد حزب الله، ولن ينفي، «اتهامات» تل أبيب بالوقوف وراء إطلاق طائرة التجسس فوق الأراضي الإسرائيلية، والتحليق طويلاً فوق منشآت وقواعد عسكرية. ستبقى المعلومات الواردة والمعلنة إسرائيلية من دون تأكيدات من لبنان. هذه هي العادة المتبعة من قبل حزب الله، سواء كان هو وراء إطلاق الطائرة أو لم يكن.
مع ذلك، تأكيد إسرائيل، الى حد يكاد أن يكون قطعياً، بأن الطائرة أطلقت من لبنان، وأن هدف إطلاقها كان لغايات استخبارية ولجمع معلومات عن مواقع عسكرية وأمنية حساسة في إسرائيل، كان لافتاً، وخصوصاً أنه يأتي بعد يومين فقط على تأكيد وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بأن إسرائيل «أقوى دولة في المنطقة، ولا داعي للخوف لأنها مستعدة لأي سيناريو قد يأتي من الشمال».
كان لافتاً أيضاً، الاستناد شبه الكلي، من ناحية إسرائيل، على التحليل والمؤشرات، من دون الأدلة والبراهين المباشرة، لفهم ما جرى. وهو دليل إضافي على مدى الفشل والإخفاق الميدانيين للدفاعات الجوية الإسرائيلية. اللافت، كذلك، أنه بعد انتهاء الحادثة، تأخرت تل أبيب كثيراً، على ما يبدو من تسريبات، في فهم ما جرى، بل واستلزم منها مدة طويلة نسبياً كي تحدد أخيراً المسار الذي سلكته الطائرة، وما إذا كانت قد أطلقت من قطاع غزة أو سيناء أو لبنان، لتستقر أخيراً على اتهام حزب الله.
حجم الفشل كان كبيراً، الى درجة التسابق، بين المسؤولين الإسرائيليين لإطلاق التهديدات، والإعلان عن ضرورة «الرد» الحاسم، على ما جرى تسميته إسرائيلياً «العملية الإرهابية الجوية». لكن ما بين التهديدات والأفعال مسافة طويلة محفوفة بالمخاطر، ومن شأنها أن تكبح إسرائيل عن الفعل.
تل أبيب معنية بالرد، ولديها مصلحة في ذلك، لكنها في الوقت نفسه معنية أكثر، بألا يؤدي ردها، أن حصل، الى التسبب بمسار من الردود والردود المقابلة، وصولاً الى مواجهة عسكرية أشمل، لا تريدها في هذه الفترة. والأرجح أن تبقى التهديدات تهديدات، من دون أن تعمد تل أبيب الى ترجمتها فعلياً على أرض الواقع.
إذا كانت اتهامات إسرائيل صحيحة، وهذا لا يمكن تأكيده من قبل حزب الله كما أسلفنا، فالمعنى مزدوج: حزب الله، رغم كل التحديات التي يواجهها، ورغم كل محاولات الضغوط عليه، داخلياً وخارجياً، على خلفية موقفه المبدئي مما يجري في سوريا، إضافة الى عدم اليقين السياسي في لبنان، لا تزال عيونه وآذانه، وأيضاً ذراعه، متنبهة جيداً لإسرائيل، ومؤكداً أن الصراع الأساسي والمركزي كان، ولا يزال، الصراع مع العدو. أما رهانات البعض، ومن بينهم تل أبيب، بأن الحزب بات مشغولاً عنها، فهي غير صحيحة، أو في حدها الأدنى مبالغ فيها.
الفشل الإسرائيلي الأخير، الميداني والاستخباري، كان صارخاً، ومن شأنه أن يعيد الى الأذهان، بقوة، حديث إسرائيل المتواصل منذ سنوات عن جهوزيتها «المطلقة»، لمواجهة حزب الله في الحرب المقبلة، التي تعد بأنها ستكون مغايرة عن حرب عام 2006. اللافت في هذا الإطار، أنه منذ عام 2007، بل وربما بعد أشهر من انتهاء الحرب، أكدت إسرائيل على جهوزيتها العسكرية، والاستفادة الكاملة من «عبر حرب لبنان الثانية».
كان تأكيد إسرائيل على الجهوزية العسكرية، ثابتاً، ويتجدد شهرياً، تقريباً، وطوال السنوات الماضية، الى الحد الذي يدفع المتابع للشأن الإسرائيلي، إلى القول إن جهوزية تل أبيب باتت تتجاوز حزب الله، لمواجهة حرب تخوضها كل الدول المنضوية في الأمم المتحدة، بما يشمل أميركا والاتحاد السوفياتي السابق.
في عام 2007، استخلصت تل أبيب، كما هو معلن، من أكثر من مسؤول عسكري وسياسي إسرائيلي، «عبر ودروس» الفشل في الحرب الماضية، وبات جيشها جاهزاً للحرب المقبلة. كذلك هي الحال، في عام 2008، إذ باتت جهوزيتها مضاعفة، وأيضاً في عام 2009، وعام 2010... وصولاً الى عام 2012. لكن الفشل الأخير للاستخبارات الإسرائيلية والدفاعات الجوية، الأخير، يشير الى عينة ما، قد نشهد مثيلاتها في حرب تعد إسرائيل بأنها ستنتصر فيها. الفشل الجديد يضع، الى جانب عوامل أخرى، كل الرواية الإسرائيلية عن الجهوزية موضع شك، أو بتعبير أكثر دقة، موضع مبالغة. وهذا كله بعيداً عن السؤال المركزي الدائم: لو كانت إسرائيل جاهزة، وبفاعلية وقوة تعد بهما، فلماذا تمتنع، إن لم نقل ترتدع، عن مواجهة حزب الله، طوال السنوات الماضية، رغم كل ما لديها من دوافع ومصالح؟
0 Responses to فشل إسرائيلي جديد يكشف جهوزيّة الحرب