استغل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان انعقاد المؤتمر الرابع لـ«حزب العدالة والتنمية» الحاكم لتوجيه رسائل سياسية على أكثر من جبهة، من بينها الملف السوري، حيث طلب من روسيا والصين وإيران وقف دعمها لنظام الرئيس بشار الأسد، وفي الملف العراقي، حين استفز رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بمخاطبته طارق الهاشمي بلقبه الرسمي كنائب للرئيس برغم الأحكام الصادرة بحقه في بغداد بتهم «الإرهاب»، وكذلك في الملفات الداخلية لتركيا، حيث استحضر إرث العثمانيين.
ودعا أردوغان، في كلمته أمام المؤتمر، كلاً من روسيا والصين وإيران الى وقف دعمها للأسد، قائلاً إن «التاريخ لن يغفر للذين وقفوا الى جانب الأنظمة القاسية»، فيما شدد الرئيس المصري محمد مرسي على ضرورة أن «تتحقق إرادة الشعب السوري في ان يختار قيادته» وأن «تزول هذه القيادة الحالية الظالمة لشعبها والمريقة لدمه».
أما رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خالد مشعل، فأعرب عن «ترحيبه» بثورة الشعب السوري «الذي يسعى للحرية والكرامة»، معتبراً أن لا تعارض بين الحرية والديموقراطية والإصلاح وبين المقاومة ضد الاحتلال.
وكان لافتاً في المؤتمر الرابع لـ«الحرية والعدالة»، الذي انطلق على شكل احتفالية غنائية، طغيان الطابع «الإخواني» على الحضور، بدءاً بمحمد مرسي، مروراً برئيس حركة «النهضة» في تونس راشد الغنوشي، وصولا إلى خالد مشعل، الذي بايع أردوغان «زعيماً للعالم الإسلامي».
وعلى الرغم من تناول الأزمة السورية في خطابات اردوغان ومرسي ومشعل، إلا أن التباينات بين الاطراف الثلاثة من الازمة ما تزال واضحة. فبينما تنخرط انقرة بشكل مباشر فيها، وتتهم بدعم المعارضة سياسياً وعسكرياً، تبدو القاهرة اكثر تحفظاً برغم لهجة مرسي التي تبدو حادة، حيث تحاول مصر إنجاح مبادرة اللجنة الرباعية، في حين يسير مشعل كعادته حول هذه القضية على فكرة الانسجام بين «الإصلاح» و«المقاومة».
وفي كلمته أمام المؤتمر، لم ينسَ أردوغان توجيه نصائحه لروسيا والصين وإيران، إذ دعا حكومات هذه الدول الى وقف دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد. وقال اردوغان «نتوجه الى روسيا والصين ومعهما إيران. رجاءً أعيدوا التفكير في موقفكم الحالي. إن التاريخ لن يغفر للذين وقفوا الى جانب هذه الأنظمة القاسية».
وكما هي الحال في العديد من خطاباته، حيّا اردوغان نيقوسيا ومقدونيا وسراييفو والقاهرة والقوقاز ورام الله ونابلس والقدس والسليمانية وبغداد ومكة والمدينة المنورة، ولكنه في سياق السلام لمدن سوريّة مثل دمشق وحلب والرقة وإدلب وغيرها وصف المعارضين السوريين بأنهم «أبطال» في «حرب الاستقلال».
وجال اردوغان على مدى ساعتين ونصف الساعة في مسار التاريخ التركي والعثماني، ولم يستثن كعادته تحية السلطان محمد الفاتح والسلطان سليم الأول والسلطان سليمان القانوني.
ولم تخرج مواقف أردوغان من إسرائيل خلال المؤتمر عن الأزمة القائمة بين أنقرة وتل أبيب على خلفية مجزرة «أسطول الحرية»، إذ قال «لن نساوم أبداً على موقفنا المبدئي والحاسم المعارض لإرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل. ولن نعيد النظر في علاقتنا معها قبل أن تقدم لنا اعتذاراً على قتلها 9 مواطنين أتراك، وتدفع التعويضات اللازمة، وقبل أن تقوم برفع الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة».
وإذ عدد اردوغان أسماء الضيوف الأجانب، وكانوا إجمالا قليلي العدد، ومن بينهم الرئيس اللبناني السابق أمين الجميل والأمين العام لـ«تيار المستقبل» أحمد الحريري والنائبان عاطف مجدلاني وجمال الجراح، فقد حرص رئيس الوزراء التركي في كلمته على مناداة الهاشمي بصفته الرسمية أي «نائب رئيس الجمهورية العراقية»، بل أفرد له كلمة أمام المؤتمر في استفزاز واضح لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.
أما في الشأن الداخلي فقال أردوغان إنه عازم على حل المسألة الكردية «برغم الاستفزازات وحملات استنزاف الحكومة». وفي إشارة إلى «حزب العمال الكردستاني»، قال أردوغان «آن الأوان أن يقف إخوتنا الأكراد موقفاً حازماً تجاه الإرهاب، لنطوِ صفحة الماضي ولنفتح صفحة جديدة يكتبها إخوتنا الأكراد ولنرسم معاً خريطة طريق لحل جميع المسائل العالقة».
من جهته، أكد الرئيس المصري محمد مرسي أن «شعبي مصر وتركيا تجمعهما رسالة سلام قائمة على العدل، ويلتقيان حول أهداف واحدة وآمال مشتركة». وتابع «من أهدافنا المشتركة دعم ومعاونة الشعوب التي تتحرك وتثور لتنال حريتها وتزيح حكامها الذين يحكمونها بالحديد والنار والديكتاتورية، والشعوب التي تنشد الاستقرار والحرية والعدل والتنمية والنهضة كالشعبين الفلسطيني والسوري».
وأضاف «لا يمكن أن نقصر أبداً في مد يد العون لأهل غزة، الجيران الأشقاء ولأهل الضفة الغربية ولكل الفلسطينيين في كل مكان، ولا يمكن أبداً أن يقف المصريون عاجزين وهم يرون أن أهل غزة محاصرون».
وأضاف «إن المعابر بيننا وبين غزة مفتوحة لتقديم ما يحتاجه أهل غزة من غذاء ودواء وتعليم وتواصل بين العائلات والأسر، وذلك في إطار حرصنا على القيام بواجبنا تجاه الأشقاء في غزة، ونحن نتطلع إلى قيام الدولة الفلسطينية بإرادة الفلسطينيين وعاصمتها القدس الشريف».
وأردف مرسي «بالنسبة للقضية الثانية، قضية شعب سوريا، الذي يُذبح ويُقتل صباح مساء، والذي تراق دماؤه ويُعتدى على نسائه وعرضه، هذه المأساة تدمي قلوبنا، لا نستطيع أن ننام ونحن نرى إخواننا هكذا في سوريا».
وأضاف «لن نهدأ ولن نستقر حتى يقف هذا الدم وحتى تتحقق إرادة الشعب السوري في أن يختار قيادته وأن تزول هذه القيادة الحالية الظالمة لشعبها المريقة لدمه». وتابع «لا بد ان ينال الشعب السوري حريته كاملة ويعيش حراً على أرضه ويتحقق له ما يريد، فنحن معه وبجانبه، نؤيده ونقف ضد الظالم».
وتوجّه مرسي في الختام الى اردوغان بالقول «لا يزال عالمنا العربي والربيع العربي للثورات يحتاج إليكم وإلى دعمكم، فما بعد الثورات والانتقال بالسلطة إلى الاستقرار لا يقل أهمية عن الثورات نفسها، فوقوفكم بجانب هذه الثورات أمر ضروري».
بدوره، اعتبر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل أنّ «النجاح الذي حققه حزب العدالة والتنمية أضحى بمثابة عدوى انتقلت إلى الدول العربية». وأبدى ترحيبه «بثورة الشعب السوري الذي يسعى للحرية»، قائلاً «نرحب بثورة الشعب السوري الذي يسعى للحرية والكرامة ونريد حقن الدماء الزكية». وأضاف «لا تعارض بين أن نتبنى الحرية والديموقراطية والإصلاح وبين أن نتبنى المقاومة والوقوف في وجه الهيمنة والاحتلال»، قبل أن يُحيّي دور اردوغان «الذي لا يُنسى»، ليبايعه «زعيماً للعالم الإسلامي».