بالرغم من طغيان الوضع الداخلي على حديث رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، خلال خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الرابع العام لحزب العدالة والتنمية الحاكم، حرص أردوغان على تجديد موقفه من الأزمة السورية والتأكيد على أن بلاده أصبحت «نموذجاً يُحتذى للدول الإسلامية الأخرى»
حسني محلي
أنقرة | في تظاهرة شعبية كبيرة، شارك فيها نحو 30 ألفاً من أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم وأنصاره وأتباعه، وعدد من الضيوف الأجانب، أهمهم الرئيس المصري محمد مرسي ورئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، تحدث رئيس الوزراء التركي وزعيم الحزب، رجب طيب أردوغان، لمدة 3 ساعات تقريباً، بدا فيها أكثر عاطفية. وأكد أردوغان، خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الرابع العام لحزبه، أنه سيرشح نفسه في هذا المؤتمر لولاية ثالثة وأخيرة لرئاسة الحزب، استناداً إلى نظامه الداخلي، ليستمر في نضاله السياسي في ما بعد في مجالات أخرى داخل الحزب أو خارجه، في إشارة إلى نيته ترشيح نفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية في تموز 2014، حيث سيبقى في منصب رئاسة الوزراء حتى ذلك التاريخ. وطمأن أردوغان الشعب التركي الى أن العديد من قادة حزبه قادرون على مواصلة المسيرة، وبذل الغالي والنفيس في سبيل تحقيق الرسالة، متجردين من كل المصالح والأهداف الشخصية، نابذين الأنانية وحب النفس.
وأضاف أردوغان، معتذراً من فريق عمله وأعضاء حكومته: «أرجو من كل من أحزنته أو أزعجته عن غير قصد أن يسامحني». كما اعتذر أردوغان من زوجته وأولاده لأنه لم يولِهم الاهتمام اللازم خلال نشاطه السياسي، وقال مخاطباً إياهم «سامحوني».
وخصص أردوغان الجزء الأول من حديثه للتاريخ التركي والعثماني، مشدداً على أن حزب العدالة والتنمية امتداد لهذا التاريخ. ودعم ذلك بالعديد من القصائد الشعرية التي تلاها، وأبكت عدداً كبيراً من الحاضرين الذين صفقوا طويلاً عندما ذكر أردوغان اسم الزعيم الإسلامي، رئيس الوزراء السابق، نجم الدين أربكان.
وبعدما وجه أردوغان التحية لشبيبة حزب العدالة والتنمية وهيئاته النسائية، قال «نحن نسير على خطى أجدادنا الفاتحين من أمثال «السلطان ألب أرسلان» و«السلطان محمد الفاتح» وعلى خطى قادتنا العظماء، أمثال «مصطفى كمال أتاتورك» و«عدنان مندريس» و«تورغوت أوزال» و«نجم الدين أربكان».
وشدد أردوغان على أن ما تسعى إليه حكومته منذ تسلّم العدالة والتنمية للسلطة عام 2002 هو تحقيق المصالح الوطنية بين الأكراد والأتراك، رغم الاستفزازات وحملات استنزاف الحكومة»، داعياً «إخوتنا الأكراد إلى التعاون معنا لرسم خريطة طريق جديدة لحل مشاكلهم». كما دعا كل مواطن كردي إلى أن يحكّم ضميره وأن يسأل نفسه: هل قامت أي حكومة أخرى في تاريخ الجمهورية التركية بخطوات جريئة لصالح الأكراد؟ كذلك، دعا الأحزاب المعارضة الرئيسية، أي حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية، إلى التعاون في حل المسألة الكردية، لافتاً إلى أن «الإرهاب» مدعوم من دوائر داخلية وخارجية.
وبعدما اتهم أردوغان حزب الشعب الجمهوري، المعارض الرئيسي في تركيا، بأنه شارك في كل الانقلابات التي تعرضت لها تركيا، سواء بالفعل أو بالفكر، شدد رئيس الوزراء التركي على أن زمن الانقلابات العسكرية في بلاده «قد ولّى إلى غير رجعة». وأكد أن «كل من يتدخل أو يحاول التدخل في الديموقراطية سيمثُل عاجلاً أو آجلاً أمام المحاكم وسيخضع للمساءلة». ومضى يقول «في بلد يشكل فيه المسلمون الأغلبية، ندع الديموقراطية تحكم في أكثر أشكالها تقدماً، ونغدو مثالاً يُحتذى به للدول الإسلامية الأخرى».
وفيما لم يتطرق أردوغان إلى الربيع العربي، اكتفى بالحديث عن الوضع السوري باختصار. وبعدما كرر القول إن «النظام في سوريا ظالم ويقتل شعبه بغدر»، ناشد روسيا والصين وإيران إعادة النظر في سياساتها الداعمة لهذا النظام. وقال إن التاريخ لن يغفر لهذه الدول مواقفها هذه. وأضاف «تركيا ستستمر في تقديم دعمها اللوجستي للمعارضة السورية».
وفي ما خص إسرائيل، جدد أردوغان التذكير بشروطه للمصالحة مع الدولة العبرية، مشيراً إلى أنه من دون الاعتذار وتقديم التعويض لمتضرري سفينة مرمرة ورفع الحصار عن فلسطين، فإن أنقرة لا ولن تعيد النظر في علاقاتها مع تل أبيب، التي قتلت 9 من المواطنين الأتراك. وعبّر عن أمله في التعاون الأوسع مع مصر برئاسة محمد مرسي، من أجل رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وحل المشكلة الفلسطينية.
كذلك، تطرق أردوغان إلى موضوع فيلم «براءة المسلمين»، معتبراً أنه «لا يحق لأحد في الغرب أن يبرر الفيلم بحرية الرأي». وشدد على أن الإساءة إلى نبيّ الإسلام جريمة إنسانية، وأن الحديث عن حرية الرأي والتعبير في هذا الموضوع إنما هو يتناقض مع حرية الرأي والتعبير.
من جهته، ألقى الرئيس المصري كلمة في المؤتمر، حيا خلالها حزب العدالة والتنمية، مشدداً على أنه نموذج حضاري وإيجابي للإسلام. وأكد مرسي أن «عالمنا العربي والربيع العربي لا يزالان بحاجة إليكم (تركيا) وإلى دعمكم لأن تحقيق الاستقرار في دول الربيع العربي لا يقل أهمية عن الثورات نفسها».
وتطرق مرسي إلى الوضع السوري قائلاً: «لن نهدأ حتى تتحقق إرادة الشعب السوري ويختار قيادته وتزول القيادة الحالية الظالمة لشعبها المريقة لدمه». كذلك أشار إلى أن المبادرة الرباعية بشأن الأزمة السورية هي بمثابة «نواة لكي تتجمع حولها الجهود المشتركة لحل المشكلة المستعصية في سوريا».
وبخصوص القضية الفلسطينية، قال الرئيس المصري «لا يمكن أن نقصّر أبداً في مدّ يد العون لأهل غزة الجيران الأشقاء ولأهل الضفة الغربية ولكل الفلسطينيين في كل مكان، ولا يمكن أبداً أن يقف المصريون عاجزين وهم يرون أن أهل غزة محاصرون».
بدوره، تطرق رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، إلى الأزمة السورية، قائلاً «نرحب بثورة الشعب السوري الذي يسعى إلى الحرية والكرامة، ونريد حقن الدماء الزكية». وأضاف «نحب أن نؤكد أنه لا تعارض بين أن نتبنى الحرية والديموقراطية والإصلاح، وبين أن نتبنّى المقاومة والوقوف في وجه الهيمنة والاحتلال»، فيما وصف حزب العدالة والتنمية بأنه «نموذج ناجح» يجدر بالأتراك أن يفخروا به، قائلاً إن «هذا النجاح بدأ يعدي الدول العربية والحمد لله على هذه العدوى». واعتبر أن «التجربة التركية بقيادة أردوغان قدمت نموذجاً للإسلام العصري والوسطي والمعتدل والمرتبط بشعبه والمنفتح على العالم».
وفي الشأن الفلسطيني، قال إن فلسطين لا تختزل بالانقسام أو بمحادثات التسوية لأنها «أكبر من ذلك وقبل ذلك وبعد ذلك»، «فلسطين القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة التي ضحى من أجلها السلطان عبد الحميد». وجدد التأكيد على «أننا متمسكون بتحرير الأرض واستعادة القدس وتفكيك المستوطنات وعودة اللاجئين والنازحين إلى أرض الوطن والإفراج عن آلاف الأسرى في سجون العدو الإسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة حقيقية، رغم أنف الاحتلال».
وأشار إلى أن السبيل إلى ذلك طريقان لا ثالث لهما، الأول «أن تتشكل إرادة دولية تجبر إسرائيل على احترام حقوق الشعب الفلسطيني، فلا سلام من دون تحرير الأرض، ولا سلام من دون القدس، ولا سلام من دون حق العودة ومن دون حرية وسيادة كاملة لشعبنا». وأضاف «العالم العربي والشعب الفلسطيني جرّبا هذا الطريق سنوات طويلة، لكن العالم خذلنا. لذلك لم يبق إلا الطريق الثاني وهو طريق المقاومة الفلسطينية المدعومة من أمتها العربية والمسلمة لنجبر إسرائيل على الانسحاب».
0 Responses to أردوغان في خطبة الوداع المبكر: تركيا نموذج يُحتذى للدول الإسلامية الأخرى