انقضى أكثر من عام على سقوط نظام معمّر القذّافي في ليبيا، لكن الإمام موسى الصدر ورفيقيه لم يظهروا بعد. رحلة البحث الطويلة لم تنته، أو لا يراد لها ذلك. عوائل المغيّبين منقسمة بين يائسٍ اختار التسليم بقضاء الله، ورافضٍ يُصرّ على البحث بما أنه لا أدلة تُثبت فرضية القتل
رضوان مرتضى
تعددت الروايات والنتيجة واحدة. الإمام موسى الصدر ورفيقاه لم يعودوا. مصيرهم لا يزال مجهولاً. قبل 14 شهراً، سقط النظام الليبي، لكن شيئاً لم يتغيّر. نُبشت مئات القبور، ولم يُعثر للإمام على جثة. حُرّر آلاف السجناء، لكن أحداً من المغيبين الثلاثة لم يكن بينهم. في خضم ذلك، تزدحم الأسئلة حول صحة ما يتردد في الإعلام. هنا جثّة يُشتبه في أنها تعود للإمام. وهناك ملابس يُعتقد أنها من أثره. وبين الهنا والهناك، سجنٌ في منطقة مقطوعة، يخضع لسلطة البدو، يُتوقع أن يكون الإمام ورفيقاه محتجزين فيه. روايات تدُبّ من كل حدبٍ وصوب، لكن لا دقّة لأيّ منها.
قبل أسابيع، أُعلن العثور على جثة الإمام. ذهب البعض إلى حدّ الحسم. نُقلت الجثة إلى سراييفو وأُخضعت لفحوصات الحمض النووي، لكن النتيجة جاءت سلبية. آنذاك، ارتأت اللجنة المكلّفة بمتابعة القضية التكتم وعدم إعلان النتيجة في الإعلام، بعد التشاور مع عائلة الصدر، ولا سيما أن هناك حقيبة ملابس زُوّدوا بها، بيّنت الفحوصات أنها ليست للإمام. في موازاة ذلك، أُعلن القبض على رئيس جهاز الاستخبارات الليبي السابق عبد الله السنوسي في موريتانيا قبل أشهر. وقبل أيام من تسليمه، التقته اللجنة المكلفة بمتابعة القضية لمدة خمس ساعات. وإذ نفت مصادر اللجنة صحة كل ما نُشر في وسائل الإعلام عن مضمون اللقاء، أكّدت أن السنوسي لم يُجب بوضوح، بل «حاول التذاكي، محاولاً حماية نفسه وقائده». وكشف المصدر أن «السنوسي ردّد عدداً من الروايات، لكنه لم يقل أبداً إن الإمام قُتل»، مؤكّداً الحصول على خيوط ستُفيد التحقيق.
لم يكشف أقرب المقربين من القذافي لغز تغييب الصدر ورفيقيه. وبذلك، يضيع مؤقتاً أحد أهم الخيوط لتتجه الأنظار صوب سيف الإسلام القذافي الذي تستنكر العائلات الثلاث التقاعس عن استجوابه حتى الآن، محمّلة السلطات اللبنانية والليبية المسؤولية. وبحسب مصادر في عائلة الصدر، فرغم ما يتردد عن أن القذافي الابن كان طفلاً أثناء اختفاء الإمام الصدر، إلا أنه تولى بنفسه عرض تعويضات مادية للعائلات عام 2003.
أين أصبحت قضية الإمام اليوم؟ تكشف مصادر مقرّبة من عائلة الصدر عن بدء التحقيقات مع عدد من كبار الضباط الذين كانوا ضمن الدائرة الضيّقة المحيطة بالقذّافي. وتشير إلى أن هناك أسماء غير معلنة في الإعلام يجري البحث عن أصحابها باعتبارهم يملكون معلومات مؤكدة عن مصير المغيبين الثلاثة.
إذاً، التحقيقات مستمرة في ليبيا، لكن أُفق آمال عائلات المغيبين يبدو مسدوداً في لبنان. يختلف هؤلاء على كل ما يجري. ينقسمون بين آمل في العثور على والده الإمام، ومتأكدٍ من أن والده الصحافي قد قُتل أو توفّي، وثالث يرى أن قضية المغيبين تخضع للاستغلال. وفي هذا السياق، يقول زاهر بدر الدين، نجل الصحافي المغيّب عباس بدر الدين، لـ«الأخبار»: «غُيّبنا بعد تغييب المغيبين الثلاثة، والآن تُغيّب عنّا التحقيقات، والقضية تستغل سياسياً بشكل بشع»، مشيراً إلى أن دبلوماسيين ليبيين أكّدوا له أن المغيّبين أُعدموا «من دون أن يقدّم أحد دليلاً على ذلك، ولا أحد لديه مصلحة في كشف الحقيقة». ويقول بدر الدين: «لا نستطيع القول إنهم أحياء أو أموات، لكنّ مرور الوقت دليل على موتهم». ويصف ما يحصل اليوم بـ«التهريج»، معتبراً أن إخفاء والده بات «مناسبة للبروباغندا والدعاية، والقضية فقدت وطنيتها».
من جهته، يطرح علي يعقوب، ابن الشيخ المغيب محمد يعقوب، تساؤلات تُلمح إلى تواطؤ مسؤولين لبنانيين. يتحدث يعقوب عن تعرض المغيبين لظلمين: «ظلم تغييبهم وظلم طمس قضيتهم». ويوضح: «القضية مطبوعة بلغز كبير يتعلق بمروحة الجهات المشاركة مع القذافي في عملية التغييب». وإذ يستنكر يعقوب عدم خروج القضية من إطار الشعارات والخطابات الرنانة الى حيّز الأفعال، يستغرب تأخير إرسال الوفد للاستماع إلى السنوسي إلى ما بعد إحياء مهرجان التغييب، علماً بأن المعنيين ضيّعوا 6 أشهر من وجود السنوسي في موريتانيا، ولم يتحركوا لسؤاله إلا قبل ساعات من تسليمه للسلطات الليبية. وتطرق يعقوب إلى طبيعة اللجنة، إذ إن «شخصاً كالسنوسي لديه أربعة عقود في إدارة الأعمال المخابراتية لن يقع فريسة سهلة أمام لجنة من ثلاثة أشخاص ليسوا على دراية بأبسط الاصول الاستخباراتية». وأشار الى طلب بعض عائلات المغيبين رفد لجنة المتابعة بخبراء ومحققين محترفين وعدد من القضاة، «إلا أن المسؤولين يتعمدون حصرها ضمن لجنة مصغرة تكاد تكون محصورة بشخص واحد، وهذا دليل إضافي على أنّ لغزاً ما وراء القضية».
وتلفت مصادر متابعة للقضية إلى بوادر سلبية من الجانب الليبي، تمثلت أخيراً بطرح بعض المسؤولين الليبيين تقديم مساعدات للبنان عبر الاستثمار في المناطق ذات الغالبية الشيعية في لبنان، من أجل تحسين صورة ليبيا. واعتبرت أن طرحاً كهذا «يشير إلى نية بعض المسؤولين الليبيين طمس القضية».
في مقابل ذلك، قد يسأل سائل: لماذا تُصرّ عائلة الصدر على إبقائه حيّاً؟ تردّ مصادر العائلة بأن «روايات القتل الفورية ليست ثابتة لدينا، بل نملك معطيات مؤكدة أنه كان سجيناً». وتضيف إن «كل روايات التصفية الفورية متناقضة وغير كاملة وخالية من الأدلة التي تُثبتها». وتشير، على سبيل المثال، الى رواية سكرتير القذافي، أحمد رمضان، الذي ذكر أنه تمت تصفيتهم فوراً على يد الوزير الليبي الشريف بن طه عامر، لافتة الى أن الوزير المذكور توفي في نيسان 1978، أي قبل 5 أشهر من تغييب الإمام. وتستحضر المصادر روايات عضو مجلس الثورة عبد المنعم الهوني الذي نقل ست روايات مختلفة عن القضية. وتوضح أن الهوني أكّد أنه أقحم الصدر في كل رواية، لأنه كان يرمي إلى دفع التحقيق لكشف مصير عديله الطيار المقدّم اليازجي الذي توفي في ظروفٍ مجهولة. وتكشف المصادر أن سجناء أمضوا عشرات السنين في سجون القذافي وكانوا مجهولي المصير، خرجوا إلى الحرية بعد سقوطه، من بينهم المعارض أحمد الزبير السنوسي الذي سُجن 31 عاماً وخرج عن عمرٍ يناهز 91 عاماً. وتلفت المصادر الى إعلان وزير العدل الليبي أن هناك «مناطق نائية خارجة عن السيطرة يُحتمل أن يكون فيها محتجزون»، ما يعزّز الأمل بالعثور على المغيّبين. انطلاقاً من ذلك، يختم المصدر المذكور: «مقولة أن الإمام مات لا تستقيم أخلاقياً ولا قانوناً ولا شرعاً ولا منطقاً».
0 Responses to قضيّة الصدر ورفيقيه: اللغز يزداد غموضاً