بعد ساعات على انتهاء معركة مقر الأركان العامة في قلب دمشق، قبل ايام قليلة، لجأت الجهات الأمنية السورية المختصة الى تغطية مبنى المقر بقطع من القماش الاخضر أخفى كل آثار المواجهة، بينما كانت الحركة في محيط المكان تسير بشكل طبيعي.
تعكس هذه السرعة في احتواء الموقف نمط السلوك السائد في دمشق منذ فترة، حيث تتعايش مظاهر الحياة بكل اشكالها مع الحوادث الامنية والاجراءات الاحترازية في الشارع، بما يعبر عن استعداد النظام لاحتمال ان تطول الازمة شهورا وربما سنوات.
بهذا المعنى، يبدو واضحا ان سكان دمشق خرجوا من الصدمة، وانتقلوا الى مرحلة استيعابها، على قاعدة التعامل مع الاحداث بشكل موضعي، وفي لحظة وقوعها حصرا، فتتأثر الحياة نسبيا عند حصول انفجار او اشتباك، ثم لا تلبث ان تستعيد حيويتها عند عودة الهدوء.
ويلاحظ من يتجول في أحياء العاصمة السورية ان المطاعم غالبا ما تكون مزدحمة بروادها، وان المدارس والجامعات تعمل بشكل طبيعي، والحركة التجارية مقبولة، وزحمة السير هي السمة الغالبة في الشوارع. وفي الوقت ذاته، تنتشر حواجز الجيش في الطرق لتفتيش السيارات والتدقيق في هويات ركابها، وتتكثف التدابير الاحتزازية امام المؤسسات والمقرات الرسمية، وفي داخلها أيضا، حيث تسجل حراسة أمنية مشددة لبعض الشخصيات.
ولما كانت القيادة السورية تتصرف على اساس ان البلاد في حالة حرب، فإن الابواب المفتوحة للتطوع في الجيش السوري تستقطب متحمسين للدفاع عن النظام ومن خلاله عن الدولة، وفق قناعتهم. وتفيد التقارير التي وصلت الى جهات رسمية ان آلافا تطوعوا للخدمة العسكرية، وكثيرا ما تصادف عناصر منهم على الحواجز الى جانب عناصر الاحتياط.
والى جانب التركيز على تطوير الجهوزية العسكرية، وترميم التوازن الاقتصادي، تعطي القيادة السورية اهتماما لتحسين شروط المعركة الاعلامية، وعلم في هذا المجال ان محطة تلفزيونية جديدة تحمل تسمية «التلاقي» ستولد في 6 تشرين الاول الحالي، وهي مشتقة عن التلفزيون السوري الرسمي، كما يجري تفعيل الاعلام الالكتروني، الى جانب العمل لإيجاد بدائل عن الاقمار الصناعية العربية التي أقصيت عنها المحطات السورية بقرار من الجامعة العربية، وسيتم في هذا الاطار الاستعانة بقمر روسي.
ولا يخفي مسؤول سوري رسمي توقعه ان تطول الازمة، من الناحية الميدانية، مشيرا الى ان المواطنين السوريين «بدأوا يتكيفون مع الازمة ويتأقلمون مع ظروفها، بعدما أدركوا ان المواجهة طويلة ومعقدة»، مؤكدا ان وضعية القيادة السياسية «ممتازة وهي تحتفظ في جعبتها بالعديد من الاوراق الرابحة».
ويضيف: إثر معركة مقر الاركان، توقعنا ان تتأثر الحياة اليومية في دمشق. لكن، بعد توقف إطلاق النار، عادت الامور تدريجا الى طبيعتها، وفي اليوم التالي توجه الطلاب الى مدارسهم وجامعاتهم كالمعتاد، والمهم بالنسبة الينا ان الوضع الاقتصادي يستعيد توازنه شيئا فشيئا بعدما اختل بعض الشيء تحت وطأة تفاعلات الازمة.
ويعكس المسؤول السوري عتبا شديدا على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لكنه يتجنب الخوض في التفاصيل، موحيا بان في فم دمشق ماء.
ويقول المسؤول الرسمي انه لولا وجود «حزب الله» في الحكومة لكان لنا كلام آخر في سلوكها حيال الازمة السورية، لافتا الانتباه الى ان حضور الحزب في هذه الحكومة يجعلنا محرجين ويفرض علينا ان نصمت في كثير من الاحيان.
ويشير المسؤول المذكور الى ان الحدود مع لبنان «لم تكن يوما مشرعة ومستباحة كما هي في عهد الحكومة الحالية، مع تقديرنا للجيش اللبناني الذي يحاول القيام بواجباته ضمن الامكانيات المتاحة امامه».
وإذا كان الرئيس السوري بشار الاسد لم يبادر بعد الى الاتصال برئيس الجمهورية ميشال سليمان، لتوضيح ملابسات قضية ميشال سماحة، كما ينتظر منه سليمان، فإن المسؤول السوري يشير الى ان ملف سماحة «غامض وينطوي على أكثر من قطبة مخفية وعلامة استفهام».
ويؤكد المسؤول ان دمشق «ليست بحاجة الى مثل هذه العمليات الامنية، وليست بحاجة الى تكليف شخصية مثل ميشال سماحة بأدوار أمنية او بنقل متفجرات»، متسائلا عن الجدوى من عمليات كهذه، والفائدة التي يمكن ان تجنيها منها سوريا بالمقارنة مع السلبيات وهي كبيرة.
ويتابع المسؤول: «ما الذي يمكن ان يحققه تفجير عبوات في الشمال، حتى لو كانت تستهدف مجموعات من المعارضة السورية، في حين ان المعركة التي نخوضها هي أكبر من ذلك بكثير وأشد تعقيدا»؟
ويعتبر المسؤول السوري ان ما نُسب الى سماحة في التحقيقات ليس صحيحا، ولا نعلم الاسباب التي دفعته الى الادلاء بما قاله إذا كان فعلا قد أدلى بالاعترافات المنسوبة اليه.
ويشير المسؤول الى ان ما تعرض له سماحة يوحي بان هناك من تصرف معه على اساس ان «وظيفته» قد انتهت ويجب شطبه من المعادلة، داعيا الى التوقف امام هذا الاستنتاج.
0 Responses to دمشق: لنا كلام آخر بالحكومة لولا وجود حزب الله فيها