أظهر نجاح طائرة من دون طيار في اقتحام الأجواء الإسرائيلية والوصول إلى منطقة جبل الخليل قبل اسقاطها من قبل طائرات عسكرية إسرائيلية، جوانب خفية في الصراع القائم في المنطقة.
وفي حين اتجهت التقديرات الأولية عند إسقاط الطائرة أمس الأول نحو قطاع غزة لتشير إلى دخول عنصر جديد في الصراع القائم، عادت الصورة لتكبر وتظهر أن الطائرة انطلقت في الغالب من الأراضي اللبنانية. وزاد الطين بلة بالنسبة إلى الإسرائيليين تقديرهم بأن الطائرة إيرانية، وأنها قطعت ما يزيد عن 400 كيلومتر قبل إسقاطها جنوبي الضفة الغربية.
وكما سلف توجهت الأنظار مباشرة إلى قطاع غزة حيث اكتشفت الطائرة للمرة الأولى من قبل الرادارات الإسرائيلية، وإلى حركة الجهاد الإسلامي. واعتبرت أوساط إسرائيلية في البداية أن الطائرة في الغالب إيرانية الصنع، وأنها وصلت بشكل ما إلى عناصر فلسطينية، وأنها تحاول تجريبها أو أنها خرجت عن السيطرة.
ولأن تقديرا كهذا عنى أن عنصرا جديدا دخل ساحة الصراع، حدثت حركة أمنية دولية بين إسرائيل والولايات المتحدة ومصر للتعرف على طبيعة هذا العنصر. وسرعان ما تبين أن الصورة مغايرة، وان الطائرة انطلقت من الأراضي اللبنانية، وأنها في الغالب من طراز «أبابيل» الإيرانية، وهي طائرة يبلغ مداها مئات الكيلومترات.
وهكذا تم اتهام «حزب الله» بأنه خلف هذه العملية التي تفيد التقديرات بأنها كانت تهدف إلى تحقيق غرضين أساسيين: تسجيل هدف في شباك القدرات الأمنية الإسرائيلية، واثبات أن بالوسع تحقيق اختراق كهذا للدفاعات الجوية، والثاني تحقيق أغراض استخبارية من خلال جمع معلومات واختبار الجاهزية الإسرائيلية. ومن التحقيقات التي أجريت تبين أن الطائرة لا تحمل أية أسلحة ومتفجرات وبالتالي فإنها لم تكن البتة في مهمة عسكرية قتالية.
وتعتقد أوساط متابعة أنه لا يمكن فصل إطلاق الطائرة نحو الأجواء الإسرائيلية عن التطورات الأخيرة في المنطقة. وبرغم تراجع سخونة الحديث عن ضربة عسكرية إسرائيلية للمشروع النووي الإيراني إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يزال يصر على أن خيار الضربة لا يزال على الطاولة وحتى قبل الربيع والصيف المقبلين. كما أن البعض لا يستبعد أن يكون لإرسال الطائرة صلة بتفجير مخزن سلاح «حزب الله» في البقاع اللبناني قبل أيام، والذي ألمحت أوساط إعلامية عن دور ما لإسرائيل في التفجير.
وهكذا، بمعنى من المعاني، تحمل الطائرة رسائل متنوعة، بعضها تكنولوجي، وبعضها معنوي، وجميعها تعبر عن إرادة قتالية. فإن كان إرسال الطائرة ضمن التصور للرد المحتمل على ضربة عسكرية إسرائيلية لإيران، فإن هذه الطائرة من النوع الذي يمكن تحميله وسائل قتالية. والشيء ذاته محتمل أيضا إذا كان الأمر يتعلق برد من جانب «حزب الله» على تفجـير مخـزن الذخـائر في البقاع.
ومما لا ريب فيه أن التقديرات الإسرائيلية بشأن «حزب الله» ليست مغالية خصوصا أنه سبق لـ«حزب الله» أن أرسل طائرة من دون طيار في مهمة استطلاعية ذات طبيعة ردعية وإعلامية في شمال فلسطين. غير أن هذه التقديرات تثير اليوم مخاوف أكثر جدية من أي وقت مضى بشأن دور هذا النوع من السلاح. فوصول الطـائرة إلى منطقة الخليل عنت لدى الإسـرائيليين أنها، ربما، كانت في مهمة استـطلاعية للوصول إلى مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي في النقب. وبديهي أن الوصول لتلك النقطة يتضمن أبرز الرسائل في كل الاتجاهات.
لكن ما يعني إسرائيل أكثر من كل ذلك أن الطائرة أوضحت أن الإخفاق الأمني للدولة العبرية يتجاوز كل تصور. فالأجواء الإسرائيلية تعتبر تقليديا محرمة على أسلحة طيران الدول المجاورة ومنذ عقود لم تحدث هكذا اختراقات. ونظرا للتطور التقني الإسرائيلي والأميركي المتوفر تحت تصرف القيادة العسكرية الإسرائيلية، فإنه كثيراً ما تم التباهي بأن أي حركة انطلاق في المنطقة العربية للطائرات والصواريخ مرصودة تماما. ولكن المسار التقديري الذي رسمته الصحافة الإسرائيلية للطائرة قبل سقوطها يشير إلى انطلاقها من لبنان إلى عرض البحر المتوسط، وتحليقها فوق البحر حتى شواطئ قطاع غزة، والدخول من فوق القطاع نحو النقب مرورا فوق بئر السبع إلى جبل الخليل.
وإذا كان لهذا المسار من معنى فإنه يوضح أن الأجواء اللبنانية ليست «تماما» تحت السيطرة الإسرائيلية، كما أن أجواء البحر المتوسط الذي بات «منطقة اقتصادية استراتيجية» ليست تماما تحت السيطرة الإسرائيلية. والأدهى من ذلك أن الطائرة حلقت ما يزيد على نصف ساعة فوق «الأراضي الإسرائيلية» قبل أن تسقط.
وعموما وقفت إسرائيل التي لا تكف عن اختراق أجواء الدول العربـية المجـاورة وخصوصا لبنان أمام معضلة كيفية الرد. ويبدو أن القرار هو الإيحاء بأن إسرائيل حققت نجاحا في اعتراض وإسقاط الطائرة وأن هذا كاف الآن. ومع ذلك أشار مصدر أمني إسرائيلي إلى أن «إسرائيل تعرف القدرات التكنولوجـية لإيران وحزب الله. والنقاش الدائر منذ الحادث يــتركز على ما إذا كان ينبغي التعامل مع الأمر مثل التعامل مع إطــلاق قذيفة أو صاروخ من لبنان، يحتاج إلى رد فعل فوري مدفعي أو جوي ضد أهداف في لبنان». وحتــى يتقرر الرد الإسرائيلي ستظل أصداء الإخفاق تتردد في الغرف العسكرية المغلقة في تل أبيب وقيادة الجبهة الشمالية.
0 Responses to إسرائيل ولغز الاختراق الجوي: إيران.. لبنان.. أم غزة؟