تحت ضجيج الحرب مع سوريا، يخفي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مرارة التأزم الذي وصلت اليه سياسته حيال دمشق منذ بدء الازمة قبل أكثر من 18 شهراً. مما لا شك فيه ان أردوغان كان يتمنى سقوط النظام السوري في الاشهر الاولى للأزمة ولم يكن يتوقع أن تأخذ كل هذا الوقت.
وكلما طالت الازمة السورية واتسع نطاق القتال، يرى أردوغان نفسه اكثر تورطاً فيها. وهو يخشى مثلاً احتمال نجاح النظام السوري في استعادة حلب من المعارضة لأن ذلك يعني إطالة امد الحرب في سوريا ولا يحمل اشارات الى قرب سقوط النظام.
من هنا كان الرد التركي على سقوط قذيفة سورية على قرية اكجاكالي التركية عنيفاً ومناسبة لتصعيد نبرة الحرب وكأن الحكومة التركية تريد ان تبعث برسالة واضحة الى النظام السوري مفادها ان حلب خط أحمر ممنوع على النظام استعادتها وإلا كانت دمشق تخاطر بالدخول في مواجهة مباشرة مع تركيا.
إذا التصعيد التركي يخدم الان بديلاً من انشاء المنطقة العازلة التي طالما هددت الحكومة التركية باقامتها داخل الاراضي السورية لاستيعاب الاعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين.
كما ان هذا التصعيد يخدم أجندة أردوغان الداخلية بعد تآكل شعبيته نتيجة السياسة التي ينتهجها حيال سوريا مما انعكس تراجعاً في الاقتصاد التركي الذي كان تحسنه في السنوات الاخيرة السبب الرئيسي لتنامي شعبية حزب العدالة والتنمية. ومنذ بداية ما يسمى "الربيع العربي" طرح أردوغان نفسه نموذجاً لحكم اسلامي لا يخيف الغرب في البلدان التي تشهد احتجاجات.
كما عمل على احتضان الانظمة الاسلامية الناشئة في تونس ومصر وتلك التي يشارك فيها الاسلاميون بقوة في ليبيا واليمن. وبات أردوغان راعياً لـ"الربيع العربي" الذي يؤمن له اتساعاً في النفوذ التركي في المنطقة يضاهي به النفوذ الايراني. لكنه بانتهاجه هذه السياسة كان يعمل على تطييف الازمة في سوريا ودفعها في اتجاهات خطرة.
وعندما بدا لرئيس الوزراء التركي ان تدريب المعارضة السورية وتسليحها لن يؤتيا ثمارهما في المدى القريب لأن هذه المعارضة غير قادرة على حسم الموقف من دون تدخل خارجي، وجد أردوغان نفسه مرغماً على التورط المباشر في الازمة من اجل رسم خطوط حمر أمام النظام السوري في مقدمها احتمالات العودة الى حلب.
مجدداً، يحاول أردوغان الذي حسم الساحة الداخلية لمصلحته بعد اقصائه الجنرالات ووضعهم في السجون وفي ظل ضعف المعارضة من الاحزاب العلمانية، ان يمسك بزمام التطورات الاقليمية. ولكن ليس مضمونا أن يصادف النجاح.
0 Responses to أردوغان سجين حدوده